فصل: التخصيص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول



.التخصيص:

وهو مصدر خصص بمعنى خص (قصر العام) أي قصر حكمه. (على بعض أفراده) أي يخص بدليل فيخرج العام المراد به الخصوص. (وقابله) أي التخصيص (حكم ثبت لمتعدّد) لفظا نحو: {فاقتلوا المشركين} وخص منه الذمي ونحوه، وعلى القول بأن العموم يجري في المعنى كاللفظ مثلوا له بمفهوم {فلا تقل لهما أف} من سائر أنواع الإيذاء وخص منه حبس الوالد بدين الولد فإنه جائز على ما صححه الغزالي وغيره، والأصح أنه لا يجوز كما صححه البغوي وغيره. (والأصح جوازه) أي التخصيص (إلى واحد إن لم يكن العام جمعا) كمن والمفرد المعرف. (و) إلى (أقل الجمع) ثلاثة أو اثنين (إن كان) جمعا كالمسلمين والمسلمات، وقيل يجوز إلى واحد مطلقا، وقيل لا يجوز إلى واحد مطلقا وهو شاذ، وقيل لا يجوز إلا أن يبقى غير محصور. (والعام المخصوص عمومه مراد تناولًا لا حكما) لأن بعض الأفراد لا يشمله الحكم نظرا للمخصص. (و) العام (المراد به الخصوص ليس) عمومه (مرادا) تناولًا ولا حكما، (بل) هو (كلي) من حيث إن له أفرادا بحسب أصله. (استعمل في جزئي) أي فرد منها، (فهو مجاز قطعا). نظرا للجزئية كقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس}، أي نعيم بن مسعود الأشجعي لقيامه مقام كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة أبي سفيان وأصحابه أم يحسدون الناس، أي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لجمعه ما في الناس من الخصال الجميلة، ولا يخفى أن عموم العام غير مدلوله فلا ينافي التعبير في عمومه هنا بالكلي التعبير في مدلوله فيما مرّ بالكلية، مع أن الكلام هنا في عموم العام المراد به الخصوص، وثم في العام مطلقا.
(والأصح أن الأول) أي العام المخصوص (حقيقة) في الباقي بعد التخصيص، لأن تناوله له مع التخصيص كتناوله به بدونه، وذلك التناول حقيقي فكذا هذا، وقيل حقيقة إن كان الباقي غير منحصر لبقاء خاصة العموم وإلا فمجاز، وقيل حقيقة إن خص بما لا يستقل كصفة أو شرط أو استثناء لأن ما لا يستقل جزء من المقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط، بخلاف ما إذا خصّ بمستقل كعقل أو سمع، وقيل حقيقة ومجاز باعتبارين باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار الاقتصار عليه مجاز، وقيل مجاز مطلقا لاستعماله في بعض ما وضع له أوّلًا، وقيل مجاز إن استثنى منه لأنه يتبين بالاستثناء أنه أريد بالمستثنى منه ما عدا المستثنى، بخلاف غير الاستثناء من صفة وغيرها، فإنه يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط، وقيل مجاز إن خص بغير لفظ كالعقل بخلاف اللفظ أما الثاني فمجاز قطعا كما مرّ. (فهو) أي الأول وهو العام المخصوص على القول بأنه حقيقة (حجة) جزما أخذا من منع الموانع لاستدلال الصحابة به من غير نكير، وعلى القول بأنه مجاز الأصح أنه حجة مطلقا لذلك، وقيل غير حجة مطلقا لأنه لاحتمال أن يكون قد خصّ بغير ما ظهر يشك فيما يراد منه، فلا يتبين إلا بقرينة، وقيل حجة إن خص بمعين كأن يقال اقتلوا المشركين إلا الذمي بخلاف المبهم نحو إلا بعضهم، إذ ما من فرد إلا، ويجوز أن يكون هو المخرج قلنا يعمل به إلى أن يبقى فرد، وقيل حجة إن خص بمتصل كالصفة لما مرّ من أن العموم بالنظر إليه فقط بخلاف المنفصل، فيجوز أن يكون قد خص منه غير ما ظهر فيشك في الباقي، وقيل حجة في الباقي إن أنبأ عن الباقي العموم نحو: {فاقتلوا المشركين} فإنه ينبئ عن الحربي لتبادر الذهن إليه كالذمي المخرج بخلاف ما لا ينبئ عنه العموم نحو: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فإنه لا ينبئ عن السارق بقدر ربع دينار فأكثر من حرز كما لا ينبئ عن السارق لغير ذلك المخرج، فالباقي منه يشك فيه باحتمال اعتبار قيد آخر، وقيل حجة في أقل الجمع لأنه المتيقن بناء على القول بأنه لا يجوز مطلقا وبذلك علم أن ما ذكره الأصل من هذا الخلاف إنما هو مفرّع على ضعيف، أما الثاني فلا يحتج به، كذا قاله الشيخ أبو حامد. (ويعمل بالعام ولو بعد وفاة النبي) صلى الله عليه وسلّم. (قبل البحث عن المخصص)، لأن الأصل عدمه ولأن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب، وقيل لا يعمل به بعد وفاته قبل البحث لاحتمال التخصيص، وعليه يكفي في البحث عن ذلك الظن بأن لا مخصص على الأصح. (وهو) أي المخصص للعام. (قسمان) أحدهما (متصل) أي ما لا يستقل بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام. (وهو خمسة) أحدها (الاستثناء) بمعنى صيغته (وهو) أي الاستثناء نفسه (إخراج) من متعدّد (بنحو إلا) من أدوات الإخراج وضعا كخلا وعدا وسوى واقعا ذلك الإخراج مع المخرج منه. (من متكلم واحد في الأصح)، وقيل لا يشترط وقوعه من واحد فقول القائل إلا زيدا عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني لغو على الأول، ولهذا لو قال لي عليك مائة فقال له إلا درهما لا يكون مقرا بشيء في الأصح، نعم لو قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلا الذميّ عقب نزول قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} كان استثناء قطعا لأنه مبلغ عن الله وإن لم يكن ذلك قرآنا. (ويجب) أي يشترط (اتصاله) أي الاستثناء بمعنى صيغته بالمستثنى منه. (عادة في الأصح) فلا يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصل بغير ذلك كان لغوا، وقيل يجوز انفصاله إلى شهر، وقيل إلى سنة، وقيل أبدا، وقيل غير ذلك ولابد من نية الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه.
(أما) الاستثناء بمعنى صيغته (في المنقطع) وهو ما لا يكون المستثنى فيه بعض المستثنى منه عكس المتصل السابق المنصرف إليه الاسم عند الإطلاق نحو ما في الدار إنسان إلا الحمار. (فمجاز) فيه (في الأصح). لتبادره في المتصل إلى الذهن، وقيل حقيقة فيه كالمتصل فيكون مشتركا لفظيا بينهما ويحدّ بالمخالفة بنحو إلا بغير إخراج، وقيل متواطئ أي موضوع للقدر المشترك بينهما أي المخالفة بنحو إلا حذرا من الاشتراك والمجاز، وقيل بالوقف أي لا ندري أهو حقيقة فيهما أم في أحدهما، أم في القدر المشترك بينهما، ولا يعدّ المنقطع من المخصصات والترجيح من زيادتي، ولما كان في الكلام الاستثنائي شبه التناقض حيث يدخل المستثنى في المستثنى منه، ثم ينفى وكان ذلك أظهر في العدد لنصوصيته في آحاده دفعوا ذلك فيه بما ذكرته بقولي (والأصح أن المراد بعشرة في) قولك لزيد (عليّ عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الآحاد) جميعها. (ثم أخرجت ثلاثة) بقولك إلا ثلاثة (ثم أسند إلى الباقي) وهو سبعة (تقديرا وإن كان) الإسناد (قبله) أي قبل إخراج الثلاثة. (ذكرا) أي لفظا فكأنه قال له عليّ الباقي من عشرة أخرج منها ثلاثة، وليس في هذا إلا إثبات ولا نفي أصلًا فلا تناقض، وقيل المراد بعشرة في ذلك سبعة، وقوله إلا ثلاثة قرينة لذلك بينت إرادة الجزء باسم الكل مجازا، وقيل معنى عشرة إلا ثلاثة بإزاء اسمين مفرد هو سبعة ومركب هو عشرة إلا ثلاثة ولا نفي أيضا على القولين فلا تناقض، ووجه تصحيح الأوّل أن فيه توفية بما مرّ من أن الاستثناء إخراج بخلاف الثاني والثالث. ولا يصح استثناء (مستغرق) بأن يستغرق المستثنى المستثنى منه فلو قال له عليّ عشرة إلا عشرة لزمه عشرة. (والأصح صحة استثناء الأكثر) من الباقي نحو له عليّ عشرة إلا تسعة (و) استثناء (المساوي) نحو له عشرة إلا خمسة (و) استثناء (العقد الصحيح) نحو له مائة إلا عشرة، وقيل لا يصح في الأكثر، وقيل لا يصح فيه إن كان العدد في المستثنى والمستثنى منه صريحا نحو ما مر، بخلاف غيره نحو خذ الدراهم إلا الزيوف وهي أكثر، وقيل لا يصح في المساوي أيضا، وقيل لا يصح في العقد الصحيح. (و) الأصح (أن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس). وقيل لا بل المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه وهو منقول عن الحنفية فنحو ما قام أحد إلا زيد وقام القوم إلا زيدا يدل الأول على إثبات القيام لزيد، والثاني على نفيه عنه من حيث القيام وعدمه، وينبني على الخلاف أن المستثنى من حيث الحكم مخرج من المحكوم به فيدخل في نقيضه من قيام أو عدمه مثلًا أو مخرج من الحكم فيدخل في نقيضه أي لا حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل في نقيضه وجعلوا الإثبات في كلمة التوحيد بعرف الشرع، وفي الاستثناء المفرغ نحو ما جاء القوم إلا زيد بالعرف العام.
(و) الاستثناءات (المتعددة إن تعاطفت فـ)ـهي عائدة (للمستثنى منه) لتعذر عود كل منها إلى ما يليه بوجود العاطف نحو له عليّ عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين، فيلزمه واحد فقط ونحو له علي عشرة إلا عشرة وإلا ثلاثة وإلا اثنين فيلزمه العشرة للاستغراق. (وإلا) أي وإن لم يتعاطف (فكل) من آخرها وباقي كل من باقيها عائد (لما يليه ما لم يستغرقه). نحو له عشرة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة فيلزمه ستة، فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل أو استغرق غير الأول نحو له علي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة عاد الكل للمستثنى منه فيلزمه واحد فقط أو الأول فقط نحو له عشرة إلا عشرة إلا أربعة فقيل يلزمه عشرة لبطلان الأول لاستغراقه، والثاني تبعا، وقيل أربعة اعتبار الاستثناء الثاني من الأول، وهو الموافق للأصح في الطلاق. وقال ابن الصباغ وغيره إنه الأقيس وقيل ستة اعتبارا للثاني دون الأول. (والأصح أنه) أي الاستثناء (يعود للمتعاطفات) أي لكل منها حيث يصلح له لأنه الظاهر بقيد زدته بقولي (بـ)ـحرف (مشرك) كالواو والفاء جملًا كانت المتعاطفات أو مفردات كأكرم العلماء وحبس ديارك وأعتق عبيدك وكتصدق على الفقراء والمساكين والعلماء سواء أسيقت لغرض واحد أم لا، وسواء تقدم الاستثناء عليها أم تأخر أم توسط، فتعبيري بذلك أولى من اقتصاره على ما إذا تأخر، وقيل للأخير فقط لأنه المتيقن، وقيل إن سيق الكل لغرض واحد عاد للكل كحبست داري على أعمامي، ووقفت بستاني على أخوالي، وسبلت سقايتي لجيراني إلا أن يسافروا وإلا عاد للأخير فقط، كأكرم العلماء وحبس ديارك على أقاربك، وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم، وقيل إن عطف بالواو عاد للكل، وإلا فللأخير. وقيل مشترك بين عوده للكل وعوده للأخير، وقيل بالوقف لا ندري ما الحقيقة منهما، ويتبين المراد على الأخيرين بالقرينة وحيث وجدت فلا خلاف كما في قوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله: {إلا من تاب} فإنه عائد للكل بلا خلاف، وقوله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ} إلى قوله: {إلا أن يصدقوا} فإنه عائد إلى الأخير أي الدية دون الكفارة بلا خلاف أما قوله: {والذين يرمون المحصنات} إلى قوله: {إلا الذين تابوا} فإنه عائد للأخير لا للأول أي الجلد قطعا لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة، وفي عوده للثاني أي عدم قبول الشهادة الخلاف، فعلى الأصح تقبل، وعلى الثاني لا تقبل وخرج بالمشترك غيره كبل ولكن وأو فلا يعود ذلك إلا للأخير.
(و) الأصح (أن القران بين جملتين لفظا) بأن تعطف إحداهما على الأخرى (لا يقتضي التسوية) بينهما. (في حكم لم يذكر) وهو معلوم لإحداهما من خارج فيعطف واجب على مندوب أو مباح وعكسه. وقيل يقتضيها فيه مثاله خبر أبي داود: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة» فالبول فيه ينجسه بشرطه كما هو معلوم وذلك حكمة النهي. قال بعض القائل بالثاني، فكذا الاغتسال فيه للقران بينهما، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {فكاتبوهم} الآية. (و) ثاني المخصصات المتصلة (الشرط). والمراد اللغوي كما مر. (وهو) ما زدته بقولي (تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل أو ما يدل عليه) من صيغة نحو أكرم بني تميم إن جاءوا أي الجائين منهم. (وهو) أي الشرط المخصص (كالاستثناء) اتصالًا وعودا لكل المتعاطفات وصحة لإخراج الأكثر به نحو أكرم بني تميم إن كانوا علماء، ويكون جهالهم أكثر، فيجب مع نية الشرط اتصاله وعوده للكل، ولو تقدم أو توسط. ويصح إخراج الأكثر به في الأصح، وقيل وفاقا. وعليه جرى الأصل في الثالث لكن أجيب عنه بأنه أراد به وفاق من خالف في الاستثناء فقط. (و) ثالثها (الصفة) المعتبر مفهومها كأكرم بني تميم الفقهاء خرج بالفقهاء غيرهم. (و) رابعها (الغاية) كأكرم بني تميم إلى أن يعصوا خرج حال عصيانهم فلا يكرمون فيه. (وهما) أي الصفة والغاية (كالاستثناء) اتصالًا وعودا، وصحة إخراج الأكثر بهما فيجب مع نيتهما اتصالهما وعودهما للكل، ولو تقدمتا أو توسطتا، ويصح إخراج الأكثر بهما في الأصح خلافا لما اختاره، وتبعه عليه البرماوي من اختصاص الصفة المتوسطة بما وليته، وذلك كوقفت على أولادي وأولادهم المحتاجين، ووقفت على محتاجي أولادي وأولادهم، ووقفت على أولادي المحتاجين وأولادهم، فيعود الوصف للكل على الأصل في اشتراك المتعاطفات، ولأن المتوسطة بالنسبة لما وليته متأخرة ولما وليها متقدمة، بل قيل إن عودها إليهما أولى مما إذا تقدمتهما، وقد أوضحت ذلك في الحاشية واقتصاري على كالاستثناء أولى من قوله كالاستثناء في العود.
(والمراد) بالغاية (غاية صحبها عموم يشملها) ظاهرا لو لم تأت بقيد زدته بقولي (ولم يرد بها تحقيقه مثل) ما مرّ، ومثل قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون} إلى قوله: {حتى يعطوا الجزية} فإنها لو لم تأت لقاتلناهم أعطوا الجزية أم لا. (وأما مثل) قوله تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر} من غاية لم يشملها عموم صحبها، إذ طلوع الفجر ليس من الليلة حتى تشمله. (و) مثل قولهم (قطعت أصابعه من الخنصر) بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه (إلى الإبهام) من غاية شملها عموم لو لم تذكر وأريد بها تحقيقه. (فلتحقيق) أي فالغاية فيه لتحقيق (العموم). فيما قبلها لا لتخصيصه فتحقيق العموم في الأول أن الليلة سلام في جميع أجزائها، وفي الثاني أن الأصابع قطعت كلها، والغاية في الثاني من المغيا بخلافها في الأول، وقولي إلى الإبهام أوضح من قوله إلى البنصر. (و) خامسها (بدل بعض) من كل كما ذكره ابن الحاجب كـ {لَّله على الناس حج البيت من استطاع} (أو) بدل (اشتمال) كما نقله مع ما قبله البرماوي عن أبي حيان عن الشافعي كأعجبني زيد علمه وهو من زيادتي إلا أن يقال إنه يرجع إلى ما قبله تجوّزا. (ولم يذكره) أي البدل بشقيه (الأكثر)، بل أنكره جماعة منهم الشمس الأصفهاني، وصوّب عدم ذكره السبكي كما نقله عنه ابنه في الأصل لأن المبدل منه في نية الطرح، فلا محل يخرج منه فلا تخصيص به. وأجاب عنه البرماوي بأن كونه في نية الطرح قول والأكثر على خلافه، قال السيرافي والنحويون لم يريدوا إلغاءه وإنما أرادوا أن البدل قائم بنفسه وليس مبينا للأول كتبيين النعت للمنعوت.
(و) القسم الثاني من المخصص (منفصل) أي ما يستقل بنفسه من لفظ أو غيره (فيجوز في الأصح التخصيص بالعقل) سواء أكان بواسطة الحس من مشاهدة وغيرها من الحواس الظاهرة أم بدونها فالأول كقوله تعالى في الريح المرسلة على عاد تدمر كل شيء أي تهلكه، فإن العقل يدرك بواسطة الحس أي المشاهدة ما لا تدمير فيه كالسماء، والثاني كقوله تعالى: {خالق كل شيء} فإن العقل يدرك بالضرورة أنه تعالى ليس خالقا لنفسه ولا لصفاته الذاتية، وكقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا} فإن العقل يدرك بالنظر أن الطفل والمجنون لا يدخلان لعدم الخطاب، وقيل لا يجوز ذلك لأن ما نفي العقل حكم العام عنه لم يشمله العام إذ لا تصح إرادته، وذكر الأصل أن الخلف لفظي، وفيه بحث ذكرته في الحاشية، ولهذا تركته هنا، وبما تقرر علم أن التخصيص بالعقل شامل للحس كما سلكه ابن الحاجب، لأن الحاكم فيه إنما هو العقل فلا حاجة إلى إفراده بالذكر خلافا لما سلكه الأصل. (و) يجوز في الأصح (تخصيص الكتاب به) أي بالكتاب وهو من تخصيص قطعي المتن بقطعيه كتخصيص قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} الشامل للحوامل ولغير المدخول بهنّ بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} وبقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدة تعتدونها} وقيل لا يجوز ذلك لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} فوّض البيان إلى رسوله والتخصيص بيان فلا يحصل إلا بقوله قلنا وقع ذلك كما رأيت.
فإن قلت يحتمل التخصيص بغير ذلك من السنة. قلنا الأصل عدمه وبيان الرسول يصدق ببيان ما نزل عليه من الكتاب، وقد قال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}.
(و) يجوز في الأصح تخصيص (السنة) المتواترة وغيرها (بها) أي بالسنة كذلك كتخصيص خبر الصحيحين فيما سقت السماء العشر، بخبرهما ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. وقيل لا يجوز لآية: {وأنزلنا إليك الذكر} قصر بيانه على الكتاب. قلنا وقع ذلك كما رأيت مع أنه لا مانع منه لأنهما من عند الله قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى} (و) يجوز في الأصح تخصيص (كل) من الكتاب والسنة (بالآخر) فالأول كتخصيص آية المواريث الشاملة للولد الكافر بخبر الصحيحين: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». فهذا تخصيص بخبر الواحد فبالمتواترة أولى، وقيل لا يجوز بالمتواترة الفعلية بناء على قول يأتي وأن فعل الرسول لا يخصص، وقيل لا يجوز بخبر الواحد مطلقا، وإلا لترك القطعي بالظني. قلنا محل التخصيص دلالة العام وهي ظنية والعمل بالظنيين أولى من إلغاء أحدهما. وقيل يجوز إن خص بمنفصل لضعف دلالته حينئذ، وقيل غير ذلك. والثاني كتخصيص خبر مسلم البكر بالبكر جلد مائة الشامل للأمة بقوله تعالى: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} وقيل لا يجوز ذلك لقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للكتاب فلا يكون الكتاب مبينا للسنة. قلنا وقع ذلك كما رأيت مع أنه لا مانع منه لما مر ومن السنة فعل النبي وتقريره، فيجوز في الأصح التخصيص بهما، وإن لم يتأت تخصيصهما لانتفاء عمومهما كما علم مما مر. وذلك كأن يقول الوصال حرام على كل مسلم، ثم يفعله أو يقر من فعله، وقيل لا يخصصان بل ينسخان حكم العام، لأن الأصل تساوي الناس في الحكم. قلنا التخصيص أولى من النسخ لما فيه من إعمال الدليلين وسواء أكان مع التقرير عادة بترك بعض المأمور به أو بفعل بعض المنهي عنه أم لا. والأصل كغيره جعلها المخصصة إن أقرّ بها النبي أو الإجماع مع أن المخصص في الحقيقة إنما هو التقرير أو دليل الإجماع.
(و) يجوز في الأصح تخصيص كل من الكتاب والسنة. (بالقياس) المستند إلى نص خاص ولو خبر واحد كتخصيص آية الزانية والزاني الشاملة للأمة بقوله تعالى: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} وقيس بالأمة العبد، وقيل لا يجوز ذلك مطلقا حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصله في الجملة، وقيل لا يجوز إن كان القياس خفيا لضعفه وقيل غير ذلك. قلنا إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. والخلاف في القياس الظني، أما القطعي فيجوز التخصيص به قطعا. (وبدليل الخطاب) أي مفهوم المخالفة كتخصيص خبر ابن ماجة الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه. بمفهوم خبره: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث». وقيل لا يخصص لأن دلالة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم. وأجيب بأن المقدم عليه منطوق خاص لا ما هو من أفراد العام فالمفهوم مقدم عليه لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. (ويجوز) التخصيص (بالفحوى) أي مفهوم الموافقة، وإن قلنا الدلالة عليه قياسية كتخصيص خبر أبي داود وغيره: «ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته». أي حبسه بمفهوم {فلا تقل لهما أف} فيحرم حبسهما للوالد وهو ما نقل عن المعظم وصححه النووي.
(والأصح أن عطف العام على الخاص) وعكسه المشهور لا يخصص العام. وقال الحنفي يخصصه أي يقصره على الخاص لوجوب اشتراك المتعاطفين في الحكم وصفته. قلنا في الصفة ممنوع كما مر مثال العكس خبر أبي داود وغيره: «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده». يعني بكافر حربي للإجماع على قتله بغير حربي، فقال الحنفي يقدر الحربي في المعطوف عليه لوجوب الاشتراك المذكور فلا ينافي ما قال به من قتل المسلم بالذمي، ومثال الأول أن يقال لا يقتل الذمي بكافر ولا المسلم بكافر، فالمراد بالكافر الأول الحربي فيقول الحنفي والمراد بالكافر الثاني الحربي أيضا لوجود الاشتراك المذكور، وقد مر التمثيل بالخبر لمسألة أن المعطوف على العام لا يعم، وما قيل من أنه لا حاجة لذكر هذه المسألة لعلمها من مسألة القران يردّ بمنعه لأن ما هنا في تخصيص الحكم المذكور في عام، وما هناك في التسوية بين جملتين فيما لم يذكر من الحكم المعلوم لإحداهما من خارج..
(و) الأصح أن (رجوع ضمير إلى بعض) من العام لا يخصصه حذرا من مخالفة الضمير لمرجعه قلنا لا محذور فيها لقرينة مثاله قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} مع قوله بعده: {وبعولتهن أحق بردهن} فضمير وبعولتهن للرجعيات ويشمل قوله والمطلقات معهن البوائن، وقيل لا يشملهن ويؤخذ حكمهن من دليل آخر، وقد يعبر في هذه المسألة بأعم مما ذكر بأن يقال وأن يعقب العام بما يختص ببعضه ولا يخصصه، سواء أكان ضميرا كما مر أم الشامل غيره كالمحلى بال واسم الإشارة كأن يقال بدل وبعولتهن إلخ. وبعولة المطلقات أو هؤلاء أحق بردهن. (و) الأصح أن (مذهب الراوي) للعام بخلافه لا يخصصه ولو كان صحابيا، وقيل يخصصه مطلقا، وقيل يخصصه إن كان صحابيا لأن المخالفة إنما تصدر عن دليل. قلنا في ظن المخالف لا في نفس الأمر وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا وذلك كخبر البخاري من رواية ابن عباس: «من بدل دينه فاقتلوه» مع قوله إن صح عنه أن المرتدة لا تقتل، أما مذهب غير الراوي للعام بخلافه فلا يخصصه أيضا كما فهم بالأولى، وقيل يخصصه إن كان صحابيا. (و) الأصح أن (ذكر بعض أفراد العام) بحكم العام (لا يخصص) العام. وقيل يخصصه بمفهومه، إذ لا فائدة لذكره إلا ذلك. قلنا مفهوم اللقب ليس بحجة، وفائدة ذكر البعض نفي احتمال تخصيصه من العام مثاله خبر الترمذي: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» مع خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم مر بشاة ميتة فقال: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به» فقالوا إنها ميتة. فقال: «إنما حرم أكلها».
(و) الأصح (أن العام لا يقصر على المعتاد) السابق ورود العام. (ولا على ما وراءه) أي المعتاد بل يجري العام على عمومه فيهما، وقيل يقصر على ذلك فالأول كأن كانت عادتهم تناول البر، ثم نهي عن لبيع الطعام بجنسه متفاضلًا فقيل يقصر الطعام على البر المعتاد، والثاني كأن كانت عادتهم بيع البر بالبر متفاضلًا، ثم نهى عن بيع الطعام بجنسه متفاضلًا فقيل يقصر الطعام على غير البر المعتاد والأصح لا فيهما. (و) الأصح (أن نحو) قول الصحابي إنه صلى الله عليه وسلّم (نهى عن بيع الغرر) كما رواه مسلم من رواية أبي هريرة. (لا يعم) كل غرر وقيل يعمه لأن قائله عدل عارف باللغة والمعنى، فلولا ظهور عموم الحكم مما قاله النبي صلى الله عليه وسلّم لم يأت هو في الحكاية له بلفظ عام كالغرر. قلنا ظهور عموم الحكم بحسب ظنه ولا يلزمنا اتباعه في ذلك، إذ يحتمل أن يكون النهي عن بيع الغرر بصفة يختص بها فتوهمه الراوي عاما وعدلت إلى نهي عن بيع الغرر عن قوله قضى بالشفعة للجار لقوله كغيره من المحدّثين هو لفظ لا يعرف.